الحلقة الأولي

  مقاهي وسط العاصمة للمثقفين 


طول عمري ف المنفي اللي كنت ساكن فيه ،أسمع من الأكبرمني- من مثقفين المنطقة .. اللي بلوني ببلوة القراية والكتابة -  عن مقاهي  وسط العاصمة العامرة بالمثقفين ، حيث يتجاذبون أطراف الأحاديث الثقافية الشيقة ، ويتابعون كل ماهو جديد ، وكذلك حين كنت أقرأ لأحد الكتاب وأجده يتحدث عن هذه المقاهي ويصف عالم المقهي بأنه عالم متفرد بذاته له خصوصيته برغم عمومه ، برغم أن كل الأحاديث الخاصة مسموعة للعامة ، وأن كل سر يصبح في ميكروفون إلا أنها كانت محور ارتكاز العديد من القصائد والروايات والمقالات والقصص القصيرة ، وكأن العالم يدور في فلك تلك المقاهي .

** شعور داخلي يسيطر علي عقل كل منا أنه إن تجرأ ودخل إلي تلك المقاهي فسيشاهد مباريات ثقافية حامية ، قد تؤدي إلي فشل ذريع في أولي خطواته نحو عالم المثقفين **

مرت سنين وتجرأت أخيرا علي دخول تلك المقاهي ، فقد أعددت العدة وأخذت ألتهم الكتب التهاما ، وشرعت أتباري في مناقشة أقراني بمنطقتي ، ومن هم اكبر مني سنًا .. حتي شعرت أني ذو سطوة وحكمة بينهم ، فشددت رحالي إلي مقاهي وسط العاصمة حيث الصخب الثقافي ،والمعلومات المتبادلة ، ولكن أرهقني البحث ؛ فلم تكن المقاهي كما هي ... الكتب الأجنبية متراصة علي الأرصفة أكثر من العربية ؛ مرتادي المقاهي هيئتهم ومناظرهم مختلفة عما قرأته في كتب السابقين ، الأشكال والأمزجة ، حتي شكل المقهي مختلف ، رائحة المكان غربية أكثر منها مصرية ، العديد والعديد من الأجهزة الحديثة ، الكل منكب علي جهازه لا يتكلم مع الاخر.. ولا يعيره اهتماما  ، وإن تكلموا ... لم ينطقوا إلا كلاما عاميا مطعما بالكثير من الإنجليزية ... يثيرون موضوعات حول الفلسفة والاديان ... المقدسات تتهاوي بين يديهم ... يثيرون اشمئزاز الزائر الجديد " أنا " حتي أني تحولت إلي متفرج .. دفع ثمن تذكرته مقابل كوب من الشاي ليشاهد العرض المبتذل  .. إلي أن يشعر أن العرض قد زاد سوءا فيرحل مقررا أن ينتقل إلي مقهي آخر علّه يجد ضالته ...
ولكن للأسف لم تكن هناك ضالة أضل من هؤلاء الذين تشعر أنهم نسخ طبق الأصل من بعضهم ، فها هي مقهي ثانية وثالثة ، كلهم مستنسخون من بعضهم حتي حركات اليد والرأس أثناء الحوار ... نسخ متشابهة لا تستطيع أن تصل إلي الصورة الأصلية وكأنها شهادة موثقة منتهية بالتوقيع المحفوظ " صورة طبق الأصل " ...

** شعور داخلي ما هذا السخف هل قطعت كل هذه المسافة وكل هذا الوقت حتي اشاهد هؤلاء المستنسخون ... الذين لا يمتون للثقافة العربية بصِلة ؟؟  **
لملمت شتات نفسي ورحلت في اتجاه " منطقتي " مرة أخري ...
لكن ما فاجأني ... أني جلست بين أقراني أحدثهم .. وأحاكيهم ... في ما قرأت ... ووجهات نظري
وإذا بي أنظر إلي مرآة أمامي بالقهوة ... فأجدني أصبحت مستنسخا جديدا ... من مستنسخين مقاهي وسط العاصمة ...


#سيد بشير 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أزمة أخلاق

اللـــعبــة